روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | أعياد.. المسلمين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > أعياد.. المسلمين


  أعياد.. المسلمين
     عدد مرات المشاهدة: 4082        عدد مرات الإرسال: 0

الحمد لله الثابت وجوده، العظيم جوده، الكثير موجوده، متجه العالم ومقصوده وربه ومعبوده، فله صلاةُ عبده وركوعه وسجوده، وتسبيحه وتهليله وتحميده، واستغفاره وتكبيره وتمجيده، وصومه وفطره وحجه وعيده، وعبادته كلها وتوحيده فهو العظيم الأكبر، وكل شيء دونه حقير وأصغر، وهو الغني عما عداه وكل شيءٍ سواه فقير إلى رحمته الواسعة وفضله الأكبر.

نحمده - تعالى- أن جعلنا مسلمين، وهدانا بكتابه المبين، وبسنة سيد المرسلين، إلى خير شريعة وأشرف دين، ونشكره عز وجل صيرنا مؤمنين، وبالحق قائمين، وعن الباطل مائلين، وسيجزي الله الشاكرين، فهنيئاً لمن شكر، وويل لمن كفر، والله غنيٌ عن العالمين، وإليه المصير والمستقر.

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل الأعياد مواسم أفراح الطائعين، وأيام سرور المتعبدين، فما أعظم فرحة الصائم إذا أفطر، وما أكبر سرور الحاج إذا طاف ونحر ولبى وكبر، وجاء من عرفة وبات بالمزدلفة ورمى جمرة العقبة وحلق أو قصر.

ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المفضل، السيد العظيم المبجل.

اللهم! فصل وسلم على سيدنا محمدٍ النبي المرسل، بخير كتاب منزل، نبي الهدى، وبحر الندى، وأعظم الخلق جوداً وأكرمهم يداً، وخير من حج وعج وثج وسبحل وحمدل وهلل، وضحى وعق وفدا وأهدى ونحر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان في كل أثر، ما قرأ الناس في هذا اليوم السعيد الأزهر: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُسورة الكوثر(1-3).

أما بعد: لقد شرع الله للمسلمين في كل عام عيدين عظميين يظهرون فيهما شعائر دينهم الحنيف، وأمرهم يوم الفطر أن يخرجوا زكاة أبدانهم صاعاً من غالب قوت البلد يواسي به الفقير والمسكين والبائس الضعيف، ويوم النحر أمرهم بالأضاحي، وحثهم عليها وندبهم إليها، وجعل ذلك من أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه الخبير اللطيف، وشرع الصلاة والخطبة التي يجتمعون لها فيشهدون الخير ويتعلمون الأحكام والتكاليف، ويسن الحضور للرجال والنساء، والصغار والكبار والعبيد والأحرار، والصحيح والمريض إذا استطاع، ولكل صعلوك وشريف، يرفعون أصواتهم بالتكبير ويسارعون في التبكير، ممسكين عن الطعام والشراب حتى يصلوا وعليهم السكينة والوقار، وقد لبسوا من الثياب كل جديد ونظيف، بمظهر العز والعظمة يبرزون لأعدائهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود.

فمن أدرك العيد وفهم حكمة التشريع بادر إلى الخير ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأكثر من ذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله1.

أيها الإخوة: إن العيد مظهر من مظاهر الدين، وشعيرة من شعائره المعظمة، التي تنطوي على حكم عظمة ومعان جليلة، وأسرار بديعة، وليس العيد كما قد يظنه بعض الناس من أنه هو التسيب وترك العمل، والغفلة عن الله، والاكثار من المباحات، والمباهاة باللباس والمآكل والمشارب، بل ربما قد يظن البعض أن العيد معناه فعل ما يبغض الله من سماع الأغاني المحرمة، والاختلاط بين الرجال والنساء في الحدائق والمنتزهات.

وليس الأمر كذلك! إنما المقصود بالعيد شكر الله على تمام العبادة وإتقانها، ولذلك فإن الله لم يشرع للأمة المحمدية إلا عيدان وكل عيد جاء بعد الفراغ من أداء ركن من أركان الإسلام، فعيد الفطر جاء بعد إكمال صيام رمضان، وعيد الأضحى بعد الوقوف بعرفة والذي يعد ركن الحج الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم:" الحج عرفة" رواه الترمذي وأحمد.

قال ابن رجب - رحمه الله-: وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم إذا فازوا بإكمال طاعته، وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته؛ كما قال الله - تعالى-: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَسورة يونس(58).

قال بعض العارفين: ما فرح أحد بغير الله إلا بغفلته عن الله، فالغافل يفرح بلهوه وهواه، والعاقل يفرح بمولاه.

ولما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم- المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما يوم الفطر والأضحى"2. فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو.

ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد، عيد يتكرر فهو يوم الجمعة، وهو عيد الأسبوع، وهو مترتب على إكمال الصلوات المكتوبات، فإن الله – عز وجل- فرض على المؤمنين في كل يوم وليلة خمس صلوات وأيام الدنيا تدور على سبعة أيام، فكلما دار أسبوع من أيام الدنيا واستكمل المسلمون صلواتهم فيه شرع لهم في يوم استكمالهم، وهو اليوم الذي كمل فيه الخلق، وفيه خلق آدم، وأدخل الجنة، وأخرج منها، وفيه ينتهي أمد الدنيا فتزول، وتقوم الساعة، فالجمعة من الاجتماع على سماع الذكر والموعظة بالصيام.

وفي شهود الجمعة شبه من الحج، وروى: أنها حج المساكين. وقال سعيد بن المسيب: شهود الجمعة أحب إليَّ من حجة نافلة، والتبكير إليها يقوم مقام الهدي على قدر السيف فأولهم كالمهدي بدنة، ثم بقرة، ثم كبشاً، ثم دجاجة، ثم بيضة.

وشهود الجمعة يوجب تكفير الذنوب إلى الجمعة الأخرى إذا سلم ما بين الجمعتين من الكبائر؛ كما أن الحج المبرور يكفر ذنوب تلك السنة إلى الحجة الأخرى، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل من يوم الجمعة".

فهذا عيد الأسبوع وهو متعلق بإكمال الصلوات المكتوبة، وهي أعظم أركان الإسلام ومبانيه بعد الشهادتين.

أيها المسلمون! أما العيدان اللذان لا يتكرران في كل عام، وإنما يأتي كل واحد منهما في العام مرة واحدة، فأحدهما: عيد الفطر من صوم رمضان، وهو مترتب على إكمال صيام رمضان وهو الركن الثالث من أركان الإسلام ومبانيه، فإذا استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم واستوجبوا من الله المغفرة والعتق من النار، فإن صيامه يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، وآخره عتق من النار، يعتق فيه من النار من استحقها بذنوبه، فشرع الله - تعالى- لهم عقب إكمالهم لصيامهم عيداً، يجتمعون فيه على شكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له، وشرع لهم في ذلك العيد الصلاة والصدقة، وهو يوم الجوائز يستوفي الصائمون فيه أجر صيامهم ويرجعون من عيدهم بالمغفرة.

والعيد الثاني: عيد النحر، وهو أكبر العيدين وأفضلهما، وهو مترتب على إكمال الحج، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه، فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر لهم، وإنما يكمل الحج بيوم عرفة، والوقوف فيه بعرفة فإنه ركن الحج الأعظم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة" ويوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيعتق الله فيه من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم الذي يليه عيداً لجميع المسلمين في جميع أمصارهم من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة، وإنما لم يشترك المسلمون كلهم في الحج كل عام رحمة من الله وتخفيفا على عباده فإنه جعل الحج فريضة العمر لا فريضة عام، وإنما هو في كل عام فرض كفاية بخلاف الصيام فإنه فريضة كل عام على كل مسلم.

فإذا كمل يوم عرفة وأعتق الله عباده المؤمنين من النار اشترك المسلمون كلهم في العيد عقب ذلك، وشرع للجميع التقرب الموسم يرمون الجمرة، فيسرعون في التحلل من إحرامهم بالحج، ويقضون تفثهم ويوفون نذورهم، ويقربون قرابينهم من الهدايا ثم يطوفون بالبيت العتيق، وأهل الأمصار يجتمعون على ذكر الله وتكبيره والصلاة له، ثم ينسكون عقب ذلك نسكهم ويقربون قرابينهم والنحر الذي يجتمع في عيد النحر أفضل من الصلاة والصدقة الذي في عيد الفطر، ولهذا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يجعل شكره لربه على إعطائه الكوثر أن يصلي لربه وينحر وقيل له : قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ سورة الأنعام(162)3.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً، والصلاة والسلام على النعمة المسداة، والرحمة المهداة نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

أيها المسلمون: وقفات قصيرة مختصرة نقفها معكم.

أولها: أحمدوا لله - تعالى- على أن أتم عليكم النعمة، ووفقكم لطاعته، ثم أكثروا من الدعاء بأن يتقبل الله منكم صالح الأعمال، وأن يغفر الخطأ والزلل والتقصير.

ثانيها: الفرح بالعيد، لما روي عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي جاريتان تغنيان بغناء، فاضطجع على الفراش، وحول وجهه، ودخل أبوبكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي - صلى الله عليه وسلم- ؟ فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: "دعهما" رواه مسلم.

وقد استنبط بعض العلماء من هذا الحديث مشروعية التوسعة على العيال في أيام العيد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس، وترويح البدن من كلف العبادة، ومنه أن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين.

ولكن كيف يتسنى لنا الفرح والسرور في العيد ونحن نسمع آهات الثكالى وأنات اليتامى في كل صقع من بلاد المسلمين؟.

وكيف نفرح في هذا اليوم والقدس حزيناً مكبلاً.. وفلسطين قد لبست ثوباً ممزوجاً بدماء الشهداء والجرحى؟.

كيف يتسنى لنا أن نفرح والصليبية الحاقدة الماكرة تفتك بالمسلمين وتحاربهم اقتصادياً وثقافياً وتمكر بهم ليل نهار؟.

بل إن خنجر العدو يخترق صدورنا، ودماء تسيل في كل مكان، ولحومنا تتطاير حتى وصلت أعالي الجبال، وصراخنا لا يسمعه أحد.

لقد أصم العالم أذنيه عنا، ولكن لن توقفنا الصعاب، ولن تذكر لنا الخطوب؛ لأننا لا نسجد لغير الله، ولا نخضع لغيره، ولا نعتمد على غيره، فلنعلق جراحنا ولنصبر، فنحن أهل رسالة وأهل دعوة، وأصحاب لهذه الأرض، فلن ولن نستجدي عطف الاحتلال والكفر، ولكننا نريد رضا الله وعفوه ومغفرته، ونصره المؤزر بإذنه.

أيها المسلمون! إننا ونحن نفرح في هذا اليوم المبارك ينبغي لنا أن نتذكر أخواناً لنا حرموا هذه الفرحة، بل رسمت على وجوههم البؤس، والحزن والبكاء، وهدمت فوق رؤوسهم البيوت، و.. و..

والمسلم للمسلم كالبينان يشد بعضه بعضاً، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

فينبغي علينا أن ندعو لهم وهذا اقل ما نقدمه لهم، وأن نواسيهم بالمال فنكفل يتيماً، ونفك أسيراً، ونطعم جائعاً، ونسد حاجة فقيراً.

ثالثها: التكبير:

فيشرع التكبير في عيد الفطر المبارك من غروب شمس ليلة العيد إلى صلاة العيد.

وفي الأضحى لمن كان حاجا من عند رمي جمرة العقبة يوم النحر، ولغير الحاج من يوم عرفة إلى أخر أيام التشريق.

ويستحب للرجال رفع الصوت بالتكبير في المساجد والطرقات والأسواق والدور، إظهاراً لهذه الشعيرة التي تكاد تكون مفقودة في أوساط كثير من الناس اليوم، اقتداءً بسلف هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم.

وصفة التكبير: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

رابعها: الغسل والتزيين والتطيب:

يستحب للرجال الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب للعيد، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عمر قال: أخذ عمر جبة إستبرق تباع في السوق، فأخذها، فأتى رسول الله فقال: يا رسول الله! ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود.

وكان ابن عمر- رضي الله عنه - يلبس أحسن الثياب.

خامسها: التبكير في الخروج لصلاة العيد:

قال الله تعالى: فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَسورة المائدة(48). وقال تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِسورة الحديد (21).

وقد قال البخاري: باب التبكير إلى العيد. ثم ذكر حديث البراء قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم النحر، فقال:" إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي..".

قال الحافظ ابن حجر: هو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها، ومن لازمه أن يفعل شيئاً غيرها، فاقتضى ذلك التبكير إليها.

وحكم الصلاة العيد واجبة لا تسقط إلا بعذر كما رجح ذلك المحققون من أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

بل إن النساء يشهدن العيد مع المسلمين حتى الحيض، ويعتزل الحيض المصلى؛ لحديث أم عطية الأنصارية قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى، العواتق وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين4.

سادسها: أن لا يأكل إلا بعد الصلاة من أضحيته:

يستحب أن يخرج إلى الصلاة يوم الأضحى قبل أن يتناول شيئاً، فإذا عاد ذبح أضحيته وأكل منها، لما ورد في الترمذي والحاكم من حديث بريدة قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي.

وأما في عيد الفطر فيستحب أن يتناول تمرات قبل خروجه إلى الصلاة، وأن يقطعهن وتراً، لما جاء في البخاري عن أنس - رضي الله عنه- قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات. وفي رواية: ويأكلهن وتراً. قال ابن قدامة: لا نعلم في استحباب تعجيل الأكل يوم الفطر خلافاً.

سابعها: المشي إلى المصلى:

فقد جاء في الترمذي وحسنه، عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- قال: من السنة أني أتي العيد ماشياً. ثم قال الترمذي: والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم.

ولكن إذا كانت المسافة بعيدة أو ما أشبه ذلك فلا بأس بالركوب، قال ابن المنذر- رحمه الله-: المشي إلى العيد أحسن وأقرب إلى التواضع ولا شي على من ركب.

ثامنها: مخالفته الطريق:

لما روي عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيد خالف الطريق.

قال ابن القيم في زاد المعاد معللاً للحكمة في مخالفة الطريق: وكان - صلى الله عليه وسلم - يخالف الطريق يوم العيد، فيذهب من طريق، ويرجع من آخر، قيل ليسلم على أهل الطريقين، وقيل لينال بركته الفريقان، وقيل ليقضي حاجة من له حاجة منهما، وقيل ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق، وقل ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله، وقيام شعائره.

وقيل لتكثر شهادة البقاع؛ فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطواته ترفع درجة وتحط خطيئة، حتى يرجع إلى منزله، وقيل وهو الأصح: إنه لذلك كله، ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله.

تاسعها: الإحسان إلى الناس:

يستحب في الأعياد الإحسان إلى الناس، والتسامح والتصافح، وصلة الأقارب، وأولهما وآكدهما الأبوين، ثم الأقارب الأدنى فالأدنى، ولذلك فقد جاءت الشريعة الغراء بالترغيب في إخراج زكاة الفطر في عيد الفطر، وصلة الأرحام في عيد الأضحى وفي غيرها من الأيام، ذلك كله من باب التكافل والتسامح، وزيادة الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع المسلم.

عاشرها: التهنئة بالعيد:

لا بأس من التهنئة بالعيد كقول: تقبل الله منا ومنك، لما جاء عن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك.

وأما تهنئة الكفار بأعيادهم فهذا مما حرمته الشريعة الإسلامية؛ لأن في تهنئتهم بأعيادهم إقراراً لهم على باطلهم ورضى بما عليه من الباطل، والله لا يحب الباطل ولا يرضاه، وكذلك التهنئة معناها المحبة والموالاة والله لا يحب الكافرين، وحرم موالاتهم، فقال تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَسورة المجادلة(22).

وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِسورة الممتحنة(13).

وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَسورة المائدة (51). والآيات في هذا الباب كثيرة.

اللهم! أعد العيد على الأمة الإسلامية وقد تحقق لها كل ما تصبوا إليه من النصر والعزة والرفعة.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

1- الفتوحات الربانية للبيحاني (305- 308). بتصرف

2 - رواه البخاري ومسلم.

3 - لطائف المعارف(299- 301). بتصرف.

4 - رواه البخاري ومسلم.

المصدر: موقع إمام المسجد